اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم

هذه بعض الخواطر التي خرجنا بها بعد قراءة تفسير قوله تعالى: "اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون؟".


هل نفهم منها ان من أمر بالمعروف دون تطبيقه هو امر مذموم؟ لا ليست القضية هكذا.. فالقاعدة الشرعية تقول "على مدير الكاس ان ينهى الجلاس". بمعنى ان ساقي الخمر ولو كان يقوم بالمعصية له الحق ان ينهى الناس عن شربه ويثاب على ذلك. كذلك لا يجوز ان ننهر فلانا لأنه يصلي ولا يصوم مثلا.. فهذا افضل من الا يفعل الامرين معا. كيف نوفق بين الآية وبين ما قلناه آنفا اذن؟

1- ان المقصودين هنا بلا ريب من يأمرون الناس بالبر رياء ونفاقا لنيل حظوة معينة او منصبا معينا امام الناس. فهؤلاء لا يثابون على فعلهم ابدا لان النفاق كفر والكفر يحبط العمل. وفي الصحيحين عنأسامةبن زيدرضي الله عنهماأنه سمع رسول اللهصلى الله عليه وسلميقول"يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى فيالنار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه - فتجتمع أهل النار عليهفيقولون يا فلان ما شأنك أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول كنت آمركمبالمعروف ولا آتيه , وأنهاكم عن الشر وآتيه "


2- وممكن ان يكون المقصود ايضا من يأمر الناس بالبر في الامور التي تناسبه ولكن يرفض من الدين ما لا يناسب مصالحه وهذه فئة اكبر من الفئة السابقة ونحن ابتلينا بكثير منهم اليوم حيث يميعون الدين ويطبقون منه ما يناسبهم .. هؤلاء ايضا كفار لأن من رفض امرا واحدا من الدين كمن يرفض الدين كله. وقد ضرب لنا القرآن مثلا في من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه الآخر حين ذكر اليهود الذين كانوا يطبقون ما افترضته التوراة عليهم من فداء اسرى العدو منهم في حين انهم في الاصل منعوا من قتالهم. " ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تتظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون"


3- في هذا الفعل الشنيع خطأ دعوي فظيع كذلك اذ ان الناس لا يمكن ان تتقبل الامر بالمعروف من انسان لا يطبقه على نفسه وقد يقودهم هذا الى الشك بالدين نفسه.


4- أما ان كان هذا الفعل عن ضعف وتقصير في نفسية الانسان بمعنى ان هذا الانسان يؤمن بما يدعو اليه ولكن تضعف نفسه عن تطبيقه فهو بحاجة الى صدمة قوية كي يفوق ويدرك فداحة الخطأ الذي يرتكبه. وليس ابلغ من هذه الآية في رده الى رشده " اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم "


5- تبقى نقطة خامسة واخيرة. وهي ان الداعي الى البر في العادة يكون عالما كما تبين لنا الآية موضع البحث " وانتم تتلون الكتاب". وقد ورد في الآثار "فإنه يغفر للجاهل سبعين مرة حتى يغفر للعالم مرة واحدة ليس من يعلم كمن لا يعلم" واخرج الاملم احمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان الله يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء"