كلماتها الطيبة كانت تستحوذ على مشاعر تلميذاتها الصغيرات ، فينصتن لها وهن غارقات في التفكير بتلك العبارات الجميلة التي تأخذ بالألباب والعقول . كانت تزداد يوما ً فيوم .. وكانت التلميذات يزددن بها إعجاباً وحبا ً .. وظلت على هذا الحال إلى حين .
خرجت يوما ً للسوق لشراء حاجة ملحة .. لم يكن معها أحد ، وذلك على غير عادتها .. ظنت أن الأمر هين لن يؤثر عليها بشيء .. قالت في نفسها : إنها حاجة هينة لا بد أن أقضيها ولا حاجة لاصطحاب ولي الأمر .. ومضت تسير بين الناس الذين انتشروا في السوق هنا وهناك .. فوجئت بشاب يقبل نحوها ويلقي عند قدميها ورقة .. توقفت عن المسير والتفتت يمينا ً ويساراً فلم تر أحداً قريباً منها .. فكرت بالأمر .
ترى ما الأمر ؟ هل آخذ الورقة أم أتركها وأمضي ؟ . لابد من أخذها ليعرف والدي بالأمر .
انحنت والتقطت الورقة وولت راجعة أدراجها لمنزلها .. كن عليها أن تؤدي بعض الأعمال في البيت .. وانشغلت بأمور جعلتها تنسى أمر الورقة .. ولم يعلم والدها الذي كان يثق بها تماما ً بأمر الورقة .
مرت الأيام دون أن تفطن للورقة .. وفي يوم من الأيام أرادت أن تخرج شيئاً من ثوبها فعثرت على الورقة .. تذكرت أمر الشاب في السوق .. أرادت أن تخبر والدها ولكنها ترددت .. أخذت تفكر وتحدث نفسها بأمر هذا الشاب .
وماذا علي لو كلمته ونصحته ووعظته عن طريق الهاتف .. من يدري لعل الله يكتب له الهداية على يدي .. إنها أمنية أتمنى أن تتحقق .. هذا عمل طيب يرضي الله .. لا بد أن أنصحه فالدين النصحية . ورفعت السماعة واتصلت بالرقم الذي وجدته مكتوبا ً في الورقة . فوجئت بكلمات الترحيب والوله من قبل الشاب المراهق الذي انتظر هذه المكالمة بفارغ الصبر .. حدثته بطريقة لم يتوقعها ..وعظته ونصحته .. استمع لنصحها وأخبرها بأنه نادم على ما فعل وأنه متأثر جدا ً بكلامها .. طلب منها هاتفها ليسألها عن أشياء قد يحتاج معرفتها منها حول التوبة والإيمان .. وقعت الفتاة في الشرك وأعطته رقم هاتفها .. وظنت أنه عرف خطأه بهذه السرعة .. وأنه ينوي التوبة بصدق .
أخذ يتصل بها بعد ذلك ويناقشها في بعض الأمور ، وتبادل وإياها الحديث الذي كان يتخلله في بعض الأحيان نكت وطرائف وضحكات .. واستمر الحال وتحول الحديث إلى أسئلة عن الأحوال والرغبات والأمنيات .. وشيئاً فشيئاً انقلبت الأمور ، ولانت الفتاة ، وخضعت لوساوس الشيطان ، وبدأت تضعف حتى غدت فريسة للكلام المعسول وعبارات الحب والود والصداقة .
وتطور الأمر حتى وافقت الفتاة على الخروج من المنزل للقاء الشقي في أماكن عدة .. وأصبحت رهينة له بعد تصويرها وتسجيل كلامها والإيقاع بها وممارستها الفاحشة والموبقات ... وانتهى أمرها بالفضيحة .
وهكذا تبدأ المسيرة خطوة .. خطوة نحو التهلكة في درب الشيطان .. إنه الاستدراج الذي لا ينتبه له كثير من الناس .. وإنه التهاون في أمر المعصية والفهم الخاطئ لمبدأ النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
.سعيد القحطانيكتاب : فتيات والذئاب – لمحمد بن صالح .