ضرب لنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خير مثل على الصداقة وحسن الصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يجمع بينهما الارتباط النفسي والمصيري الذي اقتضته هذه الصحبة الفريدة، فنجد أبا بكر يعيش مع صديقه وحبيبه الرسول صلى الله عليه وسلم الحلو والمر، والسهل والصعب، والغنى والفقر، والأمن والخوف، قال تعالى عن الصديق رضي الله عنه 0إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِن اللهَ مَعَنَا0
ذلك ان أعظمَ ما يعين المسلم على تحقيق التقوى والاستقامة على نهج الحق والهدى، مصاحبةُ الأخيار، ومصافاةُ الأبرار، والبعدُ عن قرناء السوء ومخالطة الأشرار، لأن الإنسان بطبعه وبحكم بشريته يتأثر بصفيه وجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله، والمرءُ إنما توزن أخلاقه وتُعرف شمائله بإخوانه وأصفيائه، كما قال عليه الصلاة والسلام 0الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل0
0 حيث وجه رسول الهدى كلَ فرد من أفراد الأمة إلى العنايةِ باختيار الجلساء الصالحين، واصطفاء الرفقاء المتقين، فقال عليه الصلاة والسلام 0لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقي
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال 0مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أنْ يُحذيَك، وإما أنْ تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة
ولأهمية الصحبة أو العشرة أو الأخوة، فقد اختصها رسولنا صلى الله عليه وسلم بكثيرٍ من أحاديثه الشريفة تأكيداً لأهميتها في عملية الهدم والبناء، وفي الأمثال0 قل لي من تعاشر أقل لك من أنت0
والصحبة كالبيئة، إما أن تكون ملوثةً أو تكون نظيفة.. فمن عاش في بيئةٍ ملوثةٍ ناله نصيبٌ وافرٌ من الأمراض والأوبئة المهلكة، أما من حرص على العيش في بيئةٍ نظيفةٍ فسيبقى في منأى عن كل ذلك، والغريب أن يختار الإنسان ما يهلكه ويشقيه، وصدق أنسٌ رضي الله عنه حيث يقول عليك بإخوان الصدق، فعش في أكنافهم، فإنهم زينةٌ في الرخاء، وعُدةٌ في البلاء
0صاحب أهل التقوى
فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة، وأكثرهم لك معونة
والصاحب أشبه ما يكون بمرآة النفس، تكشف محاسنها ومساوئها، وقبحها وجمالها، وبقدر ما تكون نظيفةً صافيةً بقدر ما تعكس صورة صاحبها نقيةً من غير غش
مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم 0المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه
والصحبة الصالحة صمام أمان المتصاحبين، يعين بعضهم بعضاً على شؤون الدنيا والدين،
انظر كل أخٍ لك، وصاحبٍ لك، وصديقٍ لك، لا تستفيد في دينك منه خيرا، فانبذ عنك صحبته، فإنما ذلك لك عدوّ
فصاحب تقيا عالما تنتفع به
فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب
وإياك والفساق لا تصحبنهم
فقربهم يعدي وهذا مجرب
وجانب ذوي الأوزار لا تقربنهم
فقربهم يردي وللعرض يسلب
ألا يُجالسَ المرء إلا من يرى في مجالسته ومؤاخاتِه النفعَ له في أمر دينه ودنياه، وإن خيرَ الأصحاب لصاحبه، وأنفعَ الجلساءِ لجليسه من كان ذا بِر وتُقى، ومروءةٍ ونُهى، ومكارمَ أخلاق، ومحاسنَ آداب،
ومن واجب الصديق على صديقه أن يحفظ غيبته، ويهب لنجدته ويرعى مصالحه، ويقدم له النصيحة في لطف وكياسة، كما أن من واجب الصداقة أن يكون الإنسان سهلاً في محاسبته لأصدقائه، ويتجاوز عما قد يقع منهم أحيانًا من خطأ غير مقصود، ويقبل عذرهم عن خطأ مقصود حتى يحافظ بذلك على بقاء محبتهم ولا يفرقهم من حوله.
وقد أوصى احد الصالحين ولده لما حضرته الوفاة، فقال0 يا بني0 إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، واصحب من إذا مددت يدك للخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها0. وقال بعض السلف 0عليكم بإخوان الصدق، فإنهم زينة في الرخاء، وعصمة في البلاء
لو أن مؤمناً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة منافق ومؤمنٌ واحد لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقاً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة مؤمن ومنافقٌ واحد فإنه يمشي حتى يجلس إليه، وإن أجناس الناس كأجناس الطير، ولا يتفق نوعان في الطيران إلا وبينهما مناسبة.
والصاحب ساحب