التخطيط ..... مهارة الجادين !!
للأستاذ الكاتب مهذب أبو أحمد
أولاً :
من البدهي عند كل مسلم أن الله تعالى خلق الخلق لغاية عظيمة ، الآ وهي غاية العبادة لله تعالى ، قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) سورة الذاريات
هذه الغاية العظيمة ( العبودية ) أمرنا الله تعالى بتحقيقها في جانبين :
الجانب الأول : في الذات . كما دلّت عليه الآية السابقة ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
والنفس أولى المخلوقات بالبذل في سبيل تحقيق العبودية فيها .
الجانب الثاني : في الآخرين ، وهو من مقاصد عمارة الأرض في قوله : ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ 61 ) سورة هود
وعلى هذا الوجه أمرنا أن نعمر الأرض ( إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ) !
وفي سبيل تحقيق هاتين الركيزتين من غاية الوجود يسّر الله لعباده كل ما من شأنه أن يعينهم على تحقيق ذلك .
فسخر لهم كل شيء ، وبهذا يمتنّ الله تعالى على عباده بقوله : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ 20 ) سورة لقمان
فسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض - و ( ما ) من صيغ العموم - وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة حتى نحقق غاية الوجود .
وفي سبيل الاستفادة من هذه المسخرات أمر الله تعالى بالضرب والمشي في الأرض لنستفيد مما سخره الله تعالى لنا في تحقيق غاية الوجود فقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ 15 ) سورة الملك .
لكن ليس كل من ضرب في الأرض ومشى فيها فإنه يستفيد من هذا المشي وهذا الضرب ، إنمايستفيد من ذلك العالمون العاقلون ( وما يعقلها إلا العالمون ) !
وبين تحقيق هذه الغاية العظيمة أهداف وأمنيات ..
تتنازع المرء وتتجاذبه ..!
وحين يكون المرء عالما عاقلاً فإنه لن يضيع عمره سبهللة هملا يضرب ويمشي في الأسواق بلا هدف أو قصد !
ومن هنا كان التخطيط مهارة لا يجيدها إلا الجادون ..!
الجادّون في حياتهم ..!
الذين آمنوا أن الحياة مرحلة وجهاد .. !
والآخرة مآل وحصاد . . !
علموا أن الأعمار تفنى . .!
وما تفنى الأعمال ..!
فجعلوا لنفسهم رسماً وطريقاً . .!
ومنهجا وسلوكاً . .
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم . .
وجهداً مشكوراً . . يجدون جزاءه عند ربهم
عطاء غير مجذوذ
ثانياً : كارثة ! !
هناك إحصائية تقول : إن 80 % مما نقوم به من العمل المثمر إنما ينتج حقيقة من :
20% من الوقت المصروف ، بمعنى أننا إذا أردنا أن ننجز عملاً يستغرق
10 دقائق نصرف في إنجازه ساعة كاملة !! وذلك نتيجة لسوء التخطيط أو عدمه ..!!!!
حقاً إنها كارثة . !!
ورحم الله أمير الشعراء حين قال :
دقّلأت قلب المرء قائلة له : : : إن الحياة دقائق وثوان ! !
إن غياب التخطيط ( سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات )
يؤدي إلى عدم وضوح الأهداف ، والخلط في تحديد الأولويات ،وفقدان تحديد الوجهة .
غياب التخطيط السليم يعني ضعف التقويم والمحاسبة وتطوير المنجزات !!
إننا بحاجة أن ننتقل من مرحلة ( عمل ما في الإمكان ) إلى مرحلة ( عمل ما يجب أن يكون ) !!
ثالثاً : الفشل في التخطيط كالتخطيط للفشل !!
ماهي عملية التخطيط .؟!
التخطيط هو : عملية تجميع المعلومات ، وافتراض توقعات في المستقبل من أجل صياغة النشاطات اللازمة لتحقيق الهدف .
ويمكن أن نقول أن التخطيط هو نوع من " ارتكاب الخطأ على الورق " أي قبل الشروع في التنفيذ ، وحين نفشل في التخطيط فإننا خططنا للفشل !!!
المرء في طريقه إلى الهدف قد يعترض له في طريقه منعطفات وطرق
جانبية ، وإذا لم يتم ضبط وتسديد اتجاه المسير فإنك قد لاتصل إلى
الهدف ، أو قد تصل إلى مكان آخر ، أو قد تصل متأخراً ...!
رابعاً :
أين ..؟!
ومتى ..؟!
وكيف ..؟!!
ثلاثة أسئلة قبل الانطلاق تحدد لك محاور التخطيط السليم :
* الهدف ، وهو يجيب على السؤال : أين .؟!
* الإطار الزمني لتحقيق الهدف ، وهو يجيب على السؤال : متى .؟!
* الوسائل ، ويجيب على التساؤل : كيف .؟!
حين تجيب على هذه الأسئلة الثلاث إجابة صحيحة واضحة واقعية ،فإنك بذلك تكون قد وضعت قدميك على عتبات الطريق السليم .
وحتى يكون تخطيطنا سليماً .. أسطر لك بعض الإلمالحات نحو تخطيط جاد ..
خامساً : نحو تخطيط جاد ..
التخطيط فن إداري ، وبقدر ما يكون التخطيط منطقياً يتواكب مع المعطيات والإمكانات الموجودة بقدر ما يكون وسيلة من وسائل تحقيق الوقت الفعّال وحتى يكون تخطيطنا سليماً منطقياً لابد من مراعاة أمور في التخطيط السليم :
- قبل أن تضع قدمك .. انظر أين تضعها ..! ( فكّر قبل أن تنجز ! )
مرة كان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ورضي عنه يمشي فأخطأت قدمه فوطئ رجلاً ..!
فصاح به : أمجنون أنت ؟!!
فقال عمر بن عبد العزيز : لا ..!
في التخطيط . . .
لا تباشر التخطيط وأنت مكدود الذهن ، بل تأنَّ في التخطيط ، وأعمل فكرك
في حال رويّة من أمرك ، وتذكّر أن بضع دقائق من التفكير – في هدوء –
يوفر عليك بضع ساعات من العمل الشاق .
كثير من الناس يحب أن يعمل أكثر من محبته أن يفكّر !!
لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه صواب !
والسرّ في ذلك أن الإنسان فيه غريزة حب الإنجاز ورؤية الثمار والنتائج والتعجّل في ذلك ،
والعمل يُشبع هذه الغريزة ، بخلاف التخطيط والتفكير فنتائجه ليست
مباشرة ، ولا تظهر إلا بعد فترة من الزمن . ومن يعمل العمل بدون
تخطيط تقنعه أقل النتائج الحاصلة ، بخلاف من يخطط فإنه لايرضى
إلاّ بأكبر قدر ممكن من النتائج !!