السفير البريطانى يعترف أن حظر المآذن أظهر النفاق فى أوروبا
الخميس، 17 ديسمبر 2009 -
تناول السفير البريطانى دومينيك أزكويث فى مدونته على موقع الخارجية البريطانية، تحليلاً لنتيجة الاستفتاء الشعبى، الذى أجرى فى سويسرا حول حظر المآذن وحول النتيجة التى خرجت بعده، والتأثيرات وردود الأفعال من جانب الغرب والعالم الإسلامى، نص المقال كاملاً:
النتيجة التى خرج بها الاستفتاء الشعبى بسويسرا حول ما إذا كان يجب السماح لمن يبنون مساجد بسويسرا بالسماح لهم ببناء مآذن أم لا، طرح تساؤلاً من جديد فى عقول العديد، هل يعد ذلك دليلاً على صراع لا مفر منه بين الغرب والإسلام.
وهؤلاء الذين يريدون التأكيد على الاختلافات بين الحضارة الإسلامية والغربية، أسرعوا إلى تلك النتائج لكى يجادلوا أنه لا يمكن للثقافتين التعايش معاً.
ما أدهشنى كيف كانت التعليقات فى وسائل الإعلام عميقة، وفى بعض الأحيان ناقدة للذات، ويعد هذا شيئاً هاماً جداً، لأن ردود أفعال المسلمين، سواء فى الدول الغربية أو فى الدول التى تضم غالبيتها من المسلمين، ستؤثر على مستقبل العلاقات بين الجانبين.
فوزية العشماوى رئيسة الجالية المصرية فى سويسرا ومديرة المعهد الأورو - مسلم، قالت نصيحتها بشكل واضح للحكومات والمؤسسات الدينية "لا تتدخلوا أو تبالغوا".
المسلمون فى سويسرا يتمتعون بحقوقهم وأرادوا أن يتركوا لحل المشكلة دون التصريحات الغوغائية التى لا تساعد فى حل الأمر، لقد كان هذا هو ثمن العيش فى ديمقراطية حقيقية، فالمسلمون لم يتم منعهم من التعبد.
قال الدكتور هيلر أستاذ القانون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وزميل مشارك بجامعة وارويك، وهو خبير فى المجتمعات المسلمة بأوروبا، إن المجتمعات المسلمة فى الغرب هى قلب الحداثة والعصرية ويفهمونها بشكل أفضل بكثير من نظرائهم الشرقيين.
علاء الأسوانى اختلف – بشكل يمكن تفهمه - حول أنه فى الوقت الذى يعد فيه التصويت الشعبى هو نتيجة للعملية الديمقراطية، فقد خالف مبادئ حقوق الإنسان.
فلماذا صوتت الأغلبية فى دولة ديمقراطية على منع المسلمين من بناء رمز علنى لمعتقدهم، وقد شعر الأسوانى بقلق، يمكن تفهمه أيضاً، حول ردود الأفعال فى أماكن أخرى بأوروبا، جاذباً الاهتمام إلى الدعم الواضح من قبل الرئيس الفرنسى لنتائج التصويت الشعبى، غير أنه قام بطرح التساؤل الرئيسى: لماذا صوت السويسريون ضد بناء المآذن؟، وقد أجاب الأسوانى بأن ذلك عكس الخوف من الإسلام، داخل المجتمع السويسرى وأن المسلمين كانوا مسئولين عن هذه المخاوف إلى حد كبير، "فإرهابيون مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، شوهوا صورة الإسلام فى عقول الملايين من الغرب".
مصطفى كامل السيد، الذى قضى 10 سنوات فى سويسرا، ويمكن اعتباره قد فهم الثقافة هناك جيداً، قال "إننا يجب أن نعترف، أن سلوك بعض تيارات الإسلام السياسى، ساهمت فى رسم صورة سلبية عن الإسلام"، وأضاف أن تفجيرات باريس ومدريد ولندن أحد الأمثلة على ذلك، وأيضاً العقاب الذى تعرضت له 40 ألف امرأة فى السودان بسبب ارتدائهن بنطلوناً، وحرمان النساء من حقوقهن المدنية فى أغلب دول الخليج.
وقد تحدث الشاعر البريطانى، ميلتون منذ ما يقرب من أربعمائة عام عن النفاق ووصفه بأنه "الشر الوحيد الذى لا يستطيع غير الله وحده أن يراه"، وحقيقة الأمر كانت إحدى نتائج هذا الجدل إظهار بعض من النفاق الذى يوجد فى المجتمعات فى أوروبا وخارجها، سواء بسواء، وكان النفاق والفشل فى تطبيق المعايير أبرز السمات لهؤلاء الذين تبنوا وجهات نظر متطرفة فى هذا النقاش، وأعتقد شخصياً أن هذا يشكل الحاجز الرئيسى الذى يقف فى طريق إدراك المعنى الحقيقى لما يطلق عليه حوار الثقافات المختلفة.
ليس من المنطقى أن ننتقد انتشار التعصب فى بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، ومن ثم نقوض هذه المبادئ فى بلادنا، فجميعنا عرضة لأن نكون فى هذا الوضع، ومع ذلك، أعتقد أن النفاق خطأ غير منتشر بين الشباب مثلما هو منتشر بين كبار السن، لذا أنا اتفق كلياً مع هؤلاء الذين يرون أن استمرار هذا الحوار بين رجال الدين والمفكرين من الجانبين، ليس كافياً على الرغم من كونه ضرورياً، وذلك لأننا فى حاجة لجعله أكثر شمولاً عن طريق ضم شريحة أكثر تنوعاً من المجتمع.
ودللت على وجه النظر تلك مستعيناً ببعض التعليقات المدروسة التى قرأتها، وجميعها كانت من قبل أشخاص لديهم خبرة مباشرة بمجتمع غير المجتمع الذى ولدوا فيه، لذا يجب على أوروبا أن تتوصل إلى رد فعل مدروس كذلك، وقد كان هناك بالفعل بعض الاستجابات المدروسة من قبل رئاسة الاتحاد الأوروبى، واللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية، ومنظمة العفو الدولية، حيث انتقدوا جميعهم قرار الحظر.
وعلى الرغم من ذلك، إدانة نتيجة الاستفتاء ليست كافية، بل يجب أن نحاول أن نفهم الأسباب التى أدت إلى هذه النتيجة، فالكثيرون رأوا ذلك فى ضوء "أزمة الهوية"، ووجد الأوروبيون عاداتهم وثقافتهم تتضاءل لتسمح باستيعاب الآخرين.
وأظهر استطلاع أجرته صحيفة فرنسية، أن 54% من الشعب الفرنسى يعتقدون أن الإسلام لا يتوافق مع مجتمعهم، ولكن تداعيات ذلك لا تؤثر فقط على هؤلاء الذين يعيشون فى فرنسا، بل تؤثر بنا جميعاً، ويتطلب التأكيد على الحقوق من قبل أى طرف من أطراف النزاع حساسية غير عادية.
الحفاظ على التوازن بين احترام الثقافة الأخرى وقبول هؤلاء الذين يأتون ويصنعون حياة جديدة فى مجتمع جديد يعتبر تحدياً كبيراً يواجهنا جميعا كل يوم، سواء كنا بين هؤلاء الذين يجوبون العالم بحثاً عن الرزق، أم كنا بين هؤلاء الذين يبقون فى موطن رأسهم طوال حياتهم، لذا المبدأ الذى يجب أن يرشدنا هو عنوان هذه المقالة.
ويختم مقاله، قائلاً "لا أستطيع أن أتظاهر أن بريطانيا مثالية فى هذا الصدد، ولكنها على ما يبدو تحقق تقدماً، فوفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة سورس، التى جمعت معطياته خلال عامين، 78% من المسلمين البريطانيين يعرفون أنفسهم بالبريطانيين، فى حين يعرف 94% من البريطانيين أنفسهم بالبريطانيين، أما فى فرنسا فتبلغ النسبة 49% وألمانيا 23%.