فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ
أي لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين .
تفسير الشخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله..
:::::::::::::::::::
قوله تعالى : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والارض } قال بعضهم : هذا على سبيل المثل ، والعرب إذا أرادت تعظيم ملك ، عظيم الشأن ، عظيم العطية تقول : كَسَفَ القَمَرُ لِفَقْدِهِ ، وبَكَت الرِّيحُ والسَّمَاءُ وَالأرْضُ ، وقد ذكروا ذلك في أشعارهم ، فأخبر الله تعالى ، أن فرعون لم يكن ممن يجزع له جازع ، ولم يقم لفقده فقد ، وقال بعضهم : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والارض } يعني : أهل السماء ، وأهل الأرض . فأقام السماء والأرض مقام أهلها . كما قال : { واسئل القرية التى كُنَّا فِيهَا والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لصادقون } [ يوسف : 82 ]
وقال جرير :
تَبْكِي عَلَيْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ وَالْقَمَرَا
وعن الحسن : فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين ، يعني : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض
::::...:::::...:::...:::...:::
هل حقًا السماء والأرض تبكيان؟!
قال تعالى: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29)﴾ الدخان
ورد في تفسير هذه الآية أقوال كثيرة: أن موضع صلاة الإنسان، ومصعد عمله في السماء يبكيان عليه إذا مات، وذكر أقوال كثيرة على بكاء السماء عند مقتل الحسين رضي الله عنه، مما لا يصح عقلاً ولا نقلاً، وقد قتل سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه، وثلاث من الخلفاء الراشدين عمر، وعثمان، وعلى بن أبي طالب رضي الله عنهم، وعلي أفضل من ابنه الحسين وما رأى الناس شيئًا مثل ذلك...
ولو كانت السماء تبكي على ميت، لكان أحق الناس ببكاء السماء والأرض عليه، هو رسول الله ، وما علمنا من ذلك شيء.
وكيف تبكي السماء على من فاز بالجنة فأصبح من المقربين في الفردوس الأعلى؟!.
وروى الترمذي حديثًا في هذا الباب وقد ضعفه:[(3178) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ بَابَانِ بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) قَالَ أَبو عِيسَى(الترمذي) هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ] سنن الترمذي.
وروى البيهقي في شعب الإيمان في الباب السبعين من حديث يحيى ابن يحيى ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد الحضرمي قال قال رسول الله ص: ( إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا ألا لا غربة على مؤمن ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض ) انتهى ثم قال هكذا وجدته مرسلاً،
والحديث الصحيح الذي رواه مسلم (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها) وفي لفظ آخر له: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء) بدون تلك الزيادة.
وكذلك رواه الطبري في تفسيره: حدثني يحيى بن طلحة حدثنا عيسى بن يونس عن صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد، ومن طريق الطبري رواه الثعلبي.
فهذان حديثان أحدهما ضعيف والآخر مرسلاً لم يرفع إلى رسول الله ، والقول ببكاء السماء والأرض عقيدة، ولا تبنى العقائد بهذه الطرق.
وغير ذلك لم يرفع منها شيء منها إلى الرسول ، وهذا أمر لا يثبت إلا بوحي من الله.
وقال الرسول ص، في كسوف الشمس، يوم مات ابنه إبراهيم في عشرات الأحاديث الصحيحة نذكر واحدًا فقط: (983) حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ النَّبي : إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا) رواه البخاري.
أقول على نفس منهج الرسول ص: السموات والأرض هما خلقان من خلق الله، آيتان من آيات الله، لا يبكيان على أحد ولا يضحكان لأحد.