الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وبعد:
إن الإيمان باليوم الآخر هو التصديق الجازم بانقلاب هائل يتم في الكون، ويكون انتهاء هذه الحياة الدنيا بكاملها وابتداء حياة أخرى وهي الدار الآخرة بكل ما فيها من حقائق مدهشة من بعث الخلق وحشرهم وحسابهم ومجازاتهم.
وبالجملة فإن معتقد الإيمان بالله واليوم الآخر هذا رأس كل عقيدة وأساس كل إيمان وعليه مدار استقامة الإنسان وصلاح خُلقه وطهارة روحه (عقيدة المؤمن بتصرف).
الدعوة إلى الجنة:
والله عز وجل الرحيم الرحمن، يدعونا في كل وقت وآن، في القرآن وفي سنة سيد الأنبياء إلى السباق نحو الجنان؛ لنعيش في أمن وأمان في الدنيا ويوم تشيب الولدان، نسأله حسن الختام ودخول الجنان.
يقول تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴿٧٠﴾ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة الزخرف: 70- 71].
يقول السعدي رحمه الله قوله تعالى: "{مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ}، وهذا لفظ جامع يأتي على كل نعيم وفرح وقرة عين وسرور قلب، فكل ما اشتهته النفوس من مطاعم ومشارب وملابس ومناكح، ولذته العيون من مناظر حسنة وأشجار محدقة، ونعم مونقة ومبان مزخرفة فإنه حاصل ما فيها معد لأهلها على أكمل وجه وأفضله" (تفسير السعدي: 769).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».
والمعنى مهما تتخيل وتتصور ويجول في خاطرك من نعيم الجنة فلن تصل إلى حقيقة هذا النعيم إلا بقدر ما جاء القرآن والسنة على سبيل التقريب والتشويق، وهنا تأتي العظمة على أن الذي أعدها هو الله سبحانه وتعالى.
الكلام عن الجنة مريح للنفوس مطمئن للصدور محبب للأفئدة المؤمنة نحو الشوق إليها وسيكون الكلام عن بعض مساكن الجنة وبعض مواصفاتها وصفات من يدخلها والطريق إليها.
مساكن طيبة:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿١٠﴾ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١١﴾ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة الصف: 10- 12]، في هذه الآيات نداء واستفهام وعمل وجزاء؛ أما النداء فهو من الملك سبحانه وتعالى ينادي على عباده المؤمنين.
والاستفهام: {هَلْ أَدُلُّكُمْ} وهو للتشويق وإيقاظ الهمة، وحث النفوس نحو هذه التجارة، وأركان التجارة مع الله عز وجل وهي تقوم على:
- الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
- الجهاد في سبيل الله، ويشمل:
1- جهاد العبد فيما بينه وبين نفسه، وهو قهر النفس ومنعها عن المحرمات.
2- وجهاد بينه وبين الخلق وهو أن يدع الطمع فيهم ويشفق عليهم ويرحمهم.
3- وجهاد أعداء الله بالنفس والمال لنصرة دين الله.
قوله: {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}: أي يدخلكم حدائق وبساتين تجري من تحت قصورها أنهار الجنة، "ومساكن طيبة في جنات عدن" أي: ويسكنكم قصورًا رفيعة في جنات عدن.
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُجبت النار بالشهوات وحُجبت الجنة بالمكاره».
يقول الحافظ ابن حجر: "المراد بالمكاره هنا ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركًا كالإتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها واجتناب المنهيات قولاً وفعلاً، وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه؛ ومن جملتها الصبر على المصيبة والتسليم لأمر الله، فكأنه يقول صلى الله عليه وسل لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات" (فتح الباري: 11-328).
من مساكن الجنة:
أولاً: الفردوس الأعلى:
في صحيح البخاري (2790) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة».
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): قوله صلى الله عليه وسلم: «أوسط الجنة وأعلى الجنة» المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة: 143]، فعلى هذا عطف الأعلى عليه للتأكيد".
قال ابن حبان: "المراد بالأوسط السعة، وبالأعلى الفوقية، وفي الحديث إشارة: إلى أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد إما بالنية الخالصة أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس بعد أن أعلمهم أنه أعد ذلك للمجاهدين".
هؤلاء ساكنو الفردوس:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴿١٠٧﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [سورة الكهف: 107- 108].
هؤلاء السعداء صدقوا في إيمانهم فصلحت أعمالهم، ومن هذه الأعمال ما جاء في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿٥﴾ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٦﴾ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴿٧﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴿٨﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾ أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة المؤمنون: 1- 11].
يقول العلامة السعدي: "هذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي شيء وصلوا إلى ذلك، وفي ضمن ذلك الحث على الاتصاف بصفاتهم والترغيب فيها، فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الآيات، يعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان زيادة ونقصًا، كثرة وقلة" (تفسير السعدي: 547).
في صحيح الترغيب (4-951) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله تبارك وتعالى الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك وقال لها تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقالت الملائكة طوبى لك منزل الملوك".
صفة مباني الجنة:
في سنن الترمذي عن أبي هريرة قال: قلنا: "يا رسول الله: الجنة ما بناؤها؟"، قال: «لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم...» [صححه الألباني].
هذا البناء العظيم، لبناته واحدة من ذهب والأخرى من فضة، والذي يربط بين اللبنتين المسك الأذفر (الملاط)، والحصباء: صغار الحجارة من اللؤلؤ والياقوت، وتربتها: الزعفران.
ثانيًا: غرف الجنة:
من هم ساكنو هذه الغرف؟، وما صفاتهم؟
من ساكني الغرف:
أ- عباد الرحمن: قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿٦٣﴾ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴿٦٤﴾ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴿٦٥﴾ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴿٦٦﴾ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴿٦٧﴾ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴿٦٨﴾ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴿٦٩﴾ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٧٠﴾ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴿٧١﴾ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴿٧٢﴾ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴿٧٣﴾ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴿٧٤﴾ أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴿٧٥﴾ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [سورة الفرقان: 63- 76].
يقول القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: {أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}، أولئك: خبر، وعباد الرحمن: مبتدأ، وهو أحسن ما قيل فيه وما تخلل بين المبتدأ وخبره أوصافهم من التحلي والتخلي وهي إحدى عشرة: "التواضع، الحلم، التهجد، الخوف، وترك الإسراف والاقتار، والنزاهة عن (الشرك والزنى والقتل)، والتوبة وتجنب الكذب، والعفو عن المسيء وقبول المواعظ والابتهال إلى الله". و{الْغُرْفَةَ}: الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا. {بِمَا صَبَرُوا}: أي بصبرهم على أمر ربهم وطاعة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام".
ب- المتقون:
قال تعالى: {لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [سورة الزمر: 20].
المعنى: لكن الذين خافوا عذاب الله وراقبوه في السر والعلن وأخلصوا له العبادة أعد لهم في الجنة غرفًا من فوقها غرف، وهي قصورٌ عالية ذات طبقات مزخرفات قد تم بناؤها بحالة تشرح الصدر وتسر العين، فالأنهار تجري من تحتها لكمال بهجتها وزيادة رونقها، وهذا وعد الله للمتقين المؤمنين.
ج- المصدقون بالمرسلين:
في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم»، قالوا: "يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟"، قال صلى الله عليه وسلم: «بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين».
قال الحافظ ابن حجر: "قوله صلى الله عليه وسلم «يتراءون»: المعنى: أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هم أسفل منهم كالنجوم، وقد بين ذلك في الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: «لتفاضل ما بينهم».
قوله صلى الله عليه وسلم: «صدقوا المرسلين» أي تصديقًا يظهر واضحًا في القول والعمل والطاعة لأنه سيجاور النبيين والصديقين والشهداء، قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} [سورة النساء: 69].
د- المكثرون من الطاعات:
في سنن الترمذي عن علي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لغرفًا يُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها»، فقام إليه أعرابي فقال: "لمن هي يا نبي الله؟"، قال: «هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام» [حسنه الألباني]، هذه الغرف من حسنها وبهائها وصفائها يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها من علوها وارتفاعها.
هـ - المتحابون في الله تعالى:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي فيقال من هؤلاء فيقال المتحابون في الله عز وجل» [مسند الإمام أحمد (3-87) ورجاله رجال الصحيح].
و- الشهداء:
عن نعيم بن همّار أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أيّ الشهداء أفضل؟"، قال: «الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلا من الجنة ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه» [صححه الألباني].
ز- قارئوا القرآن:
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة ثم سكت ساعة ثم قال تعلموا سورة البقرة وآل عمران؛ فإنهما الزهراوان وإنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف، وإن القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له: "هل تعرفني؟"، فيقول: "ما أعرفك"!!، فيقول: "أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك بالهواجر، وأسهرت ليلك"، وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيُعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويُوضع على رأسه تاج الوقار ويُكسى ولداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال بأخذ ولدكما القرآن ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلاً» [مسند الإمام أحمد (5-348) برقم (22845)].
والحديث حسن بشواهده من هذا الحديث نأخذ تلاوة القرآن من أفضل أنواع التجارة مع الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴿٢٩﴾ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [سورة فاطر: 29- 30]، نفع الوالدين بالأمن يوم الفزع الأكبر، والحصول على أعلى غرف ودرجات الجنة.
كل هذه البركات ينالها من صاحب القرآن قولاً وعملاً، فمن كان كذلك فإن بركة القرآن لا تتركه وتنجيه بفضل الله عز وجل من كل المهالك، فأسرع إلى حفظ القرآن قولاً وعملاً، وإخلاصًا وصدقًا، حتى تلحق بهؤلاء السعداء.
نسأل الله الفردوس الأعلى.