التجارب في حياة الشباب ثـروة
في مستهلّ حياتك العمليّة ، بل وعلى مدار حياتك كلّها يمكنك أن تستفيد من تجربتين :
أوّلاً : تجاربك الشخصية والتي تختلف ـ غنىً وفقراً ـ من شخص إلى آخر ، بحسب خلفيّة كلّ شاب أو فتاة ، وما عاشه كلٌّ
منهما في حياته من تجارب ومعاناة وأخطاء ، وما اكتسبه من خبرات ومعارف .
وليس هناك إنسان قطّ بلا تجارب ، فحتى الطفل الصغير له تجاربه . وتجاربنا ككرة الثلج تنمو مع الأيام باطّراد . وهناك
مَنْ ينتفع وهناك مَنْ لا ينتفع من تجاربه.
ثانياً : تجارب الآخرين ، سواء الشبّان منهم أو الكبار ، القريبين أو البعيدين . فكتابُ الحياة مفتوحٌ للجميع ، وحقوقه
ليست محفوظة ، بل هي حقّ مشاع لأيّ إنسان.
وتجربةٌ عاشها أكثر من إنسان ، وخلصوا منها بنتائج معيّنة تكفيك مؤونة خوضها من جديد ، فلقد قيل : «مَنْ جرّب
المجرَّب حلّت به الندامة» مثلما قيل أيضاً : «إنّ في التجارب علماً مستفاداً» أو «في التجارب علمٌ مستأنف» .
فتجارب الناس الذين عاشوا قبلنا ، أو الذين يعيشون معنا ، هي معينٌ لا ينضب ، يمكن لكلّ شاب وفتاة أن يغترفا منه ،
ويستأنفا أو يبدآ حياتهما من عنده ومن خلاله.
والتجاربُ ـ بعد ذلك ـ ليست قوالب جامدة ، فقد تحتاج إلى بعض التحوير والتطوير لتناسب الوضع الذي نحن فيه ، ولكنّها
كدروس واستخلاصات ونتائج وعبر ، ثروةٌ حريّ بنا أن نستفيد منها ، فهي كالحكمة العمليّة أينما وجدناها أخذنا بها ،
بعد أن ندرس مدى صلاحيتها وملاءمتها لأوضاعنا وظروفنا.
إنّ تجربة شخص كان يعاني الخجل الشديد ، وقد تغلّب عليه ضمن خطوات عملية معلومة تنفعني كشاب أو كفتاة أعاني من
الخجل.
وتجربة آخر نجح في دراسته ، أو تفوّق في عمله تنفعني كإنسان يتطلّع إلى حياة أفضل .. وتجربة مبتكر مبدع ، فتح اُفقاً
أو آفاقاً جديدة في مجال اختصاصه وحقل عمله ، تزيد في وعيي الابتكاريّ ، ذلك أنّ تجارب الناجحين في الحياة هي
تجارب قابلة للتعميم ، شريطة أن تتوافر الظروف المماثلة ، والارادة القادرة على تذليل الصعوبات نحو النجاح .
ولذا ، فإنّنا نستوحي القرآن الكريم ، حينما ندعو إلى دراسة تجارب الآخرين ، اُمماً وأفراداً وجماعات : (أفلم يسيروا في
الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها ) (الحج 46).
فمن الضروري لكلّ شاب وفتاة يريدان أن يتثقّفا بثقافة الحياة ، وأن يستفيدا من تجارب الآخرين ، أن يقرآ كتب السيرة
، والتراجم الذاتية وكتب المذكرات ، فهي خلاصة تجارب حياتية تثري حياتنا ، فكأنّنا نضيف إلى رصيدنا الفعليّ أرصدة
أخرى.
أمّا قصص الصالحين والناجحين والمبدعين ـ في مختلف الأزمنة والأمكنة ـ فهي الأخرى رصيد غني يمكن أن نتوافر على
تحصيله باستمرار من الكتب التي تتخصّص في نشره.
بل يمكن الاستفادة أيضاً من جلوسنا إلى كبار السنّ ـ نساء ورجالاً ـ لنغنم من تجاربهم الكثير.
فلا يقولنّ شاب : إنّ جدّي كبير السنّ ، وقد مضى زمنه ، ولي زمني ، فلا ينفعني في شيء.
ولا تقولنّ فتاة : إنّ جدّتي ـ لأبي أو لأمّي ـ بلغت من الكبر عتيّاً ، فما جدوى الاستفادة من إنسانة لا تعيش عصري.
فليس المطلوب أن ننسخ تجاربهما نسخاً ، لكنّ الكثير من تلك التجارب يحمل أساليب وطرق التعامل الاجتماعي الناضج
الذي لا علاقة له بالزمن ، فهو يؤتي ثماره الآن وغداً ، كما آتى ثماره بالأمس ، أو توحي تجاربهما لك بأفكار تنفعك في
الجديد من الحياة.
وخلاصة القول إنّ التجارب (معرفة) و (عقل) ، وأيّاً كانت معرفة الإنسان وعقله ، فهو بحاجة إلى معارف وعقول الآخرين
«مَنْ شاور الناس شاركها في عقولها».