كثير من المسلمين يواظبون على الصلاة والزكاة في رمضان.. ثم بعد رمضان تنقطع صلتهم بالعبادة، ما موقف الشرع من هؤلاء؟ يقول الدكتور حامد إسماعيل أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر: لقد كان شهر رمضان للعارفين بقدره شهر تربية روحية وتدريب عملي على كثير من الفضائل الإنسانية والقيم الاجتماعية التي لا غنى عنها في حياتهم، فطالما تعلموا فيه الصبر وتدربوا عليه عمليا، والصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما مارسوا فيه الأمانة وضبط النفس على أكمل صورة وأتم مظهر، ولا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين له ولا عهد له، كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتهذبت غرائزهم وقويت إرادتهم، وعاملوا المسيء بالإحسان وقابلوا الإساءة بالعفو والغفران، وحققوا التكافل الاجتماعي والتراحم الإنساني على أنبل وجه وأكرم حال، وعمرت قلوبهم بالإيمان وأشرقت نفوسهم بالتقوى وازدانت حياتهم بالحب والصفاء ووجهوا قلوبهم ومشاعرهم لله رب العالمين، وإلى جانب هذا وذاك، فقد تربى الصائمون جميعا على الرقابة الذاتية التي تصل إلى قلوبهم بالله وتوقظ ضمائرهم وتجعلهم يخشون الله في كل تصرفاتهم ويراقبونه في جميع حركاتهم موقنين أن الله معهم ومطلع عليهم ولا تخفى عليه خافية «يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور».
ومن هنا وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه «جنة»، أي وقاية من الانحراف، كما وصفه بأنه «وجاء»، أي حفظ ووقاية من الزلل. والواقع ان هذه المدرسة الرمضانية التي ازدانت بإشراقات الحب والخير والعطاء والتي عشنا في رحابها شهرا كاملاً لا بد من أن تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها، ولا بد للنفوس المؤمنة التي تشبعت بقيمها العظيمة ودروسها النافعة أن تجسد هذه القيم وتحقق هذه الدروس بعد شهر رمضان في الارتقاء النفسي والسلوك اليومي والحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية.
كما يجب أن تظهر بشكل واضح وجلي في سلوك المسلمين وصدق تعاملهم مع الله ومع الناس حتى يحسنوا أداء عملهم تلقائيا، لا خوفا من رئيس ولا رهبة من قانون ولا تحسبا من مساءلة، بل أداء للواجب وشعور بالمسؤولية وطاعة لله وخوف من عذابه.