من عبادات القلوب.... الرضا
مم يستمد الانسان الرضا؟ هذه مقالة قرأتها فى احدى الصحف اليومية و قد اعجبتنى كثيرا لانها تتكلم عن المعنى الحقيقى للرضا فلكى تستقيم للأنسان حياته لابد له من الرضا... و لكن الرضا عن ماذا؟ الرضا عن نفسه و الرضا عن ربه... و لكن كيف يتحقق له ذلك و بم؟
الرضا عن النفس اساسى لاستقامة حياة الانسان فى الدنيا و فوزه فى الآخرة، و لا يمكن لأنسان ان يرضى عن نفسه الا ان يكون منسجما مع الفطرة السوية فى الإنسان.... فى افعاله و اقواله و فى نواياه و ما يعتقده.
فان يؤدى الأنسان ما افترضه الله عليه، لابد أن يؤدى به ذلك الى الرضا عن نفسه... و لأن يزيد على ما افترضه الله عليه نافله، يزيد حتما من رضاه عن نفسه.
و أن يكون الواحد منا بارا بأبيه و أمه، يقدم لهما ما يستطيع من الحنان و الأهتمام و الرعاية، خاصة فى سنهما المتقدمة، لهو أمر يجعل الأنسان حتما راضيا عن نفسه.. و لأن يهتم بإخوته و يعينهم على إكمال مسيرتهم فى الحياة، لا شك يرضيه عن نفسه.
و أن يقدم الخير لمن حوله، سواء فى محيط الأقارب أو محيط العمل و المهنة أو الدائرة الأوسع للأخوة الانسانية... مثل أن يكفل يتيما أو يتصدق على محروم أو يساعد فى علاج مريض غير قادر على مصروفات العلاج لا شك يمده ذلك بالرضا عن نفسه.
و لأن يشهد شهادة حق ينتصر فيها لمظلوم، أو يفى بعهد قطعه على نفسه، أو يمسك عن قول الباطل، أو يتجنب الخوض فى سير الناس و أعراضهم، لابد أن يرتد عليه ذلك رضا عن نفسه.
كل خير يقدمه الواحد منا للآخرين، و كل شر يمتنع عنه، لهو أمر يمد الأنسان السوى بالرضا عن نفسه، و لأن يترفع الإنسان عن الصغائر و يصفح عمن أساء اليه، و يعفو عمن ظلمه.. لهو أمر يغمر الإنسان بالرضا عن نفسه.
و الرضا عن الرب هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمؤمن الذى يثق فى ربه و يخشاه و يحبه.. فكل عمل نرجو به وجه الله مما ذكرناه أنفا أو غيره على شاكلته، يرضى ربنا عنا، و يقربنا منه الى الدرجة التى نحس فيها برضاه من خلال أشياء و علامات كثيرة لا يخطئها قلب المؤمن، الذى يصبح عبدا ربانيا " قل ان صلاتى و نسكى و محياى و مماتى لله رب العالمين" ، اى تصبح كل صغيرة و كبيرة فى حياته مرتبطة بالله عز و جل.. و هو يخشى الله و يراقبه فى كل حركاته و سكناته.. هؤلاء " جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشى ربه"... هذا العبد الربانى يتلقاه ربه بقبول حسن يوم العرض عليه سبحانه، و يرحب به و يدخله جناته " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى و ادخلى جنتى"
هل هناك بداية و نهاية أفضل من ذلك لأى واحد أو واحدة من البشر على وجه الأرض؟ بالطبع لا... و ليس معنى ما تقدم أن هذا العبد الذى وهب حياته لله عز و جل لا يخطئ و لا يرتكب ذنبا.. فهذا ليس من طبيعة البشر" كل بنى آدم خطاء و خير الخطائين التوابين" بل إن المؤمن اذا ارتكب سيئة استغفر ربه و أناب اليه، و هذا يزيده قربا من ربه لأنه يتذلل و يتضرع اليه أن يغفرله ذنبه و يقيله من عثرته، و الله يتقبل منه توبته" و هو الذى يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يعلم ما تفعلون" و هو يقدم الصدقات حتى تقبل توبته و لو كانت الصدقة قليلة " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها" ، أما و قد قلت ما تقدم، فهناك اناس يستمدون الرضا من أشياء لا تغنى عنهم شيئا و لا تمدهم بالرضا الحقيقى.. فالذى يستمد رضاه من كونه مقتدرا ماليا و ذا إمكانات طائلة، و يمتلك فيلات و شاليهات هنا و هناك، كما يمتلك سيارات فارهة من أحدث طراز، و جوقة من الخدم و الحشم.. أو يستمد رضاه من علاقته الوثيقة برئيسه فى العمل.. أو لأنه أنتخب رئيسا لمجلس إدارة ناد من النوادى الرياضية أو الإجتماعية.. أو لأنه رست عليه مناقصة كان يتطلع اليها.. الخ هذه كلها و أمثالها أشياء سارة تدخل البهجة على النفس، و لكنها قطعا لا تجعل الإنسان راضيا عن نفسه بحق، فالرضا الحقيقى ينبع من داخل النفس و لا يرتبط بعوامل خارجية قد تأتى و قد تذهب.. و الذى يعتمد على العوامل الخارجية أساسا لن يستقر له قرار، و سوف تكون حياته متقلبة، لأن أحوال الدنيا متقلبة و لا تستقرعلى حال.. و كما تأتى الأخبار السارة تأتى الأخبار غير السارة.. و لكن الذى يرضى عن نفسه للأسباب التى ذكرنا طرفا منها، لن تفعل به الأحداث فعلها صعودا و هبوطا.. بل هو راض عن نفسه و قلبه مطمئن بذكر الله و التوكل عليه فى غدوه و رواحه و فى جميع أمره " الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب".