القلق ( الاسباب _ العلاج)
لقد أفرزت وأظهرت الحضارة المعاصرة العديد من السلبيات والمشكلات والمعضلات التي شقي بها الإنسان ، ولم تحقق له السعادة التي ينشدها ، شقي الإنسان في ظل حضارة تطور المادة ولكنها تدمر الروح ، تنعم الجسد ولكنها تعذب القلب ، وعاش الإنسان مثقلا بهموم هذه الحياة ، ولم تستطع المادة وحدها أن تحل المشكلة للإنسان ، فانتشرت في الناس العديد من الأمراض التي ماكانت تعرف في أسلافهم وقبل الحضارة ، إن الإنسان أيها الأحبة ليس إنسانا بعظمه ولحمه وشحمه ، ولا بسمعه وبصره ، إن الإنسان بشيء في داخله تسمى الروح نعم الروح ، وماهي تلك الروح ، لايعلم بحقيقة كنهها وأمرها إلا خالقها جل في علاه ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) سورة الاسراء0
* يا خادم الجسـم كم تشقى بخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران
* أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسـم إنسان
لم تفهم هذه الحضارة من الإنسان إلا الهيكل العام فعملت على تطويره ، وتطويع المادة له ، من آلآت تطير في السماء ، وتسبح في الماء ، وتسكن في ناطحات السحاب ، ومع هذا ما شعر الإنسان بالراحة الحقيقية التي ينشدها ، لأنه ما اهتم بما في داخل جسده وهي الروح ، فشعر حينذاك بقلق وحالات نفسية وأمراض عديدة و، هذا القلق الذي انتشر عند كثير من الناس وبدأت الأمراض النفسية تنتشر ، وتجاوز هذا المرض بعض الناس إلى أكبر منه من الصرع ، والسحر ، والعين ، عياذا بالله ، وشعر الناس بأمراض ماكان يشعر بها أسلافهم من قبل ولم يعرفوا ماهو السبب ، وإن السبب الرئيسي في إصابة الإنسان بتلكم المصائب وفي مقدمتها القلق الذي ما سلم منه إلا أهل الإيمان هذا القلق الذي يعبر عنه بعدم استقرار المرء ، وعدم جلوسه في بيته ، فيخرج للنزهة ليجد متنفسا لهمه وغمه فلا يزداد إلا كبتا وضيقا ، سبب هذا القلق ضعف الإيمان أو إنعدام الإيمان بالله 0
إذا خوى القلب من الإيمان وضعف ولم يكن في قلب هذا الإنسان إيمانا يفسر له الظواهر الكونية ، والقضايا التي يعيشها التفسير الشرعي فإنه حتما سيعيش في قلق واضطراب ، ويتولد القلق من أربعة أشياء ، أولا : الخوف على الحياة ثانيا : الخوف على الرزق ، ثالثا : يتولد من حصول شيء مكروه ، رابعا : يتولد من فوات شيئ محبوب ، فهذه الأمور الأربعة تسبب القلق للإنسان ، إن الإيمان قد طمأنك على هذه الأشياء ، طمأنك على الحياة وأخبرك بأن الحياة ليست بيد أحد في الأرض إنما هي بيد الله ، فلو اجتمع كل أهل الأرض على أن يقدموا أجلك لحظة واحدة ، ثانية واحدة ما أذن الله بها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .
ومن العجائب على البشر أنه في مصر بعد زلزال عام 1992 وجدوا تحت الدمار وتساقط البنيان وجدوا رجلا بعد ثمانين ساعة ما زال حيا من بين أسرته تحت الأنقاض ، ماتت أمه وزوجته وبنته ، وانعدم الأكسجين ولا طعام ولا ماء ولا هواء أكثر من ثلاثة أيام تحت الركام وبين ظلمة الدمار مازال حيا لماذا ؟ لأن الله تعالى ماكتب له أن يموت في تلك اللحظة ، نعم قضية الموت طمأنك الله عليها ، فلا تجعلها هاجس مخيف يعطل حياتك المعيشية والإعتيادية ، وسفرك وترحالك ودخولك وخروجك ، إلا أن يكون تفكيرك في الموت للعظة والتقرب إلى الله فهذا أمر مطلوب 0
يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه : أطلبوا الموت توهب لكم الحياة 0
السبب الثاني من أسباب حصول القلق : الرزق ، والرزق أيها الأحبة مكفول ومقسوم ، قال الله تعالى ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) 0 الزخرف
ويقول جل في علاه ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) هود
أمم هائلة في الأرض كلهم رزقهم على الله ، أفيضيق رزق الله بك أنت ، بعض الناس يغتم ويهتم ويضيق إذا فصل من الوظيفة ، وهل يا أخي إنقطع رزق الله لك هل قال الله ورزقكم في الوظيفة ، أو في المؤسسة أو في بلد معين ؟ لا ، بل قال سبحانه ( وفي السماء رزقكم ) الذاريات. أوثق صلتك بمن في السماء يأتيك رزق الله من حيث لا تحتسب ، يقول عليه الصلاة والسلام ( إنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) ، وكما قيل:
* والله والله أيمــــان مكررة ثلاثة من يمين بعد ثانيهــا
* لو أن في صخرة صماء ململمة في البحر راسية ملس نواحيها
* رزقـا لعبد براه الله لانفلقـت حتى تؤدي إليها كل ما فيـها
* النفــس تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غنى يطغيـها
* فغنى النفوس هو العفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لايكفيها
* لادار للمرء بعد الموت يسـكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
* فإن بناها بخير طاب مســكنه وإن بناها بشــر خاب بانيها
يحكى أن سليمان عليه السلام ، ذلك النبي الذي استجاب الله دعوته بأن آتاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فكان يعرف لغة الطيور والدواب في عهد ذلك النبي الكريم كان رجل يعمل في كسر الحجارة ، فكسر حجرا ذات يوم فلما انفلق الحجر وجد بداخله حشرة دويبة صغيرة خضراء وبجوارها قطرة ماء ونبتة ، فتعجب الحجار كيف تعيش هذه الحشرة الصغيرة داخل صخرة صماء ملساء ، فحمل هذا الجزء من الصخرة إلى نبي الله سليمان ليطلعه على هذا الأمر العجيب الغريب ، نظر نبي الله سليمان عليه السلام إلى وضع تلك الحشرة ، ثم سألها كم تأكلين ؟ فقالت أأكل في السنة حبة واحدة فقط ، وأشرب قطرة ماء ، قال لها وكيف يأتيك ذلك ؟ قالت الله يرزقني ، فلا تكاد تنتهي الحبة وتنفد قطرة الماء في السنة حتى يرزقني الله بمثلها ، فأجرى لها سليمان عليه السلام حبة من طعام وقطرة ماء ، ووضعها في صندوق من زجاج ، وأوكل عليها حارسا يتفقدها بعد سنة ، وبعد مرور سنة كاملة أتوا عليها فإذا بها قد أكلت نصف الحبة ، وشربت نصف قطرة الماء ، ووفرت النصف ، فسألها سليمان عن سبب توفيرها لبعض الطعام والماء ، فقالت له : كان اعتمادي على الله الذي لا ينساني ، ولما أصبح اعتمادي عليك خشيت أن تنساني فوفرت بعض الطعام والماء ، الله اكبر سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك سبحانك ربنا ما توكلنا عليك حق التوكل ، إذن أيها المسلمقد طمأنك الله على رزقك فقال ( وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) الذاريات0
أما السبب الثالث من أسباب حصول القلق : فهو حصول مكروه من مرض أو حادث لا سمح الله ، أو موت أحد الأبناء أو الأقرباء أو الأعزاء ، فربما سبب ذلك قلقا لدى بعض الناس ، ولكن إذا عرفت أن هذا المكروه أو المصيبة بقدر الله ، وأنك إذا رضيت عوضك الله خيرا منها في الدنيا وبالأجر الجزيل في الآخرة ، وإذا علمت أن الله يبتليك ليرفع منزلتك ويكفر من خطيئتك إذا استشعرت هذا زال عنك القلق ورضيت بقضاء الله ، والله سبحانه وبحمده يقول ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) الانبياء. ولهذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما ابتليت بمصيبة إلا كان لله بها علي أربع نعم ، قالوا وكيف ؟ قال : أولا أنها لم تكن في ديني ، ثاني أنها لم تكن بأعظم منها ، ثالثا أن الله ألهمني الصبر عليها ، رابعا أن الله وعدني بالثواب عليها يوم القيامة ، بهذا الشعور أيها الإخوة الكرام تتحول المحن إلى نعم ومنح ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون 00000) البقره
فإذا قلت ذلك عند المصيبة ، وقلت الحمد لله اللهم أجبرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ، أخلف الله عليك خيرا وجبر مصيبتك في الدنيا والآخرة 0
أخيرا من أسباب حصول القلق ، فوات شيء محبوب كمن يقدم مثلا في وظيفة قيمة فلم يحصل عليها ، أو تقدم للزواج ممن يرغب فيهم فلم يقبل ، أو كان هناك صفقة أو معاملة تجارية رابحة فسبقه الناس إليها فربما يحصل لديه شيئ من القلق والاكتئاب ، ولو وجد لديه الإيمان لقال قدر الله وما شاء فعل ، لعل ذلك خير لي أن صرفه الله عني 0
تلكم أربعة أسباب يحصل بسببها القلق ، وسببه الرئيسي ضعف الإيمان ، وارتكاب المعاصي ، هذه المعاصي والموبقات التي تولد القلق ، فإن العاصي يهرب من الواقع إلى المعصية من أجل أن يسعد ، فيعاقبه الله بنقيض قصده وفعله.
فعلاج القلق ، لانقوله بناء على تحليلات طبية أو عقاقير أو نحوه ، إنما نقوله من منطلق الثقة بالله تعالى الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، وأول سبب من أسباب العلاج : الصلاة ، فالصلاة علاج لجميع الأمراض النفسية ، فمن يوم أن تشعر بضيق توضأ وصلي ركعتين سيزول عنك ما تجده بإذن الله ، كان نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر وأغمه شيء دخل في الصلاة ، وكان يقول أرحنا بها يابلال ، فتصلي صلاة مستحضرا فيها قلبك ، مستشعرا عظمة من تناجيه وتناديه ( أم يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) النمل.0 تفكر وتدبر في تلك الآيات العظيمة التي تقرأها ( لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله 00) الحشر0فالصلاة أيها الإخوة أسلوب عملي لعلاج أمراض القلب من النفاق ، وعلاج أمراض النفس من القلق والإضطراب ، فما عليك إلا أن تربط صلتك بالمساجد في أول الوقت ، وأول الصف ، لن يخيب الله جهدك ورجاك ، الأسلوب الثاني : قراءة القرءان ، فقد جاء في القرءان الكريم دلالة صريحة أن فيه شفاء لما في الصدور يقول الله جل في علاه ( وننزل من القرءان ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ) 0 الاسراء
نعم .إن الذي يترك ويهجر القرءان يمرض قلبه فإذا مرض وضاق بحث عن العلاج في غير القرءان فيزداد مرضا ( أفمن شرح الله صدره للإيمان فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ) الزمر0
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدورنا بطاعته وأن يزينا بزينة الإيمان ، وأن يجعلنا من الشاكرين عند النعماء الصابرين على البلاء امين